إن القلب في الجسد . . كالملك المتصرف في الجنود . . الذي تصدر حركاتنا
كلها عن أمره . . ويستعملها فيما يشاء . . فكلها تحت عبوديته وقهره . .
وتكتسب منه الاستقامة والزيغ . . وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله . .
قال عليه الصلاة والسلام: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسدُ
كله . . وإذا فسدت فسد الجسد كله . . ألا وهى القلب ) . . فهذه بعض أنواع
القلوب . . جعلنا الله وإياكم من الذين قال الله تعالى فيهم . . (
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ ألا
بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ).
القلب المؤمن: قانع بقضاء الله وقدره . . صابر على البلاء . . حامد
وشاكر للنعم الكثيرة التي منحها الله له . . صامد في وجه التحديات التي
يجد نفسه فيها . . ومحاولا بكل ما يستطيع غرس بذرة الخير في طريقه . .
والمحافظة على نفسه وجوارحه.
القلب المحب: لك في قاموسه أبجدية خاصة . . عجزت عن كتابتها كل الأقلام
. . وحارت في معانيها كل الأنفس والأذهان . . به من المشاعر ما يكفي
لإحياء كل النفوس الجامدة . . وما يغرق كل المدن الميتة . . وله من
المعجبين ما لا يعد ولا يحصى لأنه يمدهم بكل إيثار بعضا مما عنده . .
ويعطيهم جزءا مما احتواه .
القلب الطيب: يمسح خطايا الآخرين بكل سهولة . . ويرى بأن الدنيا أكبر
من كلمة سيئة وقعت وقت جدال . . أو تناهت إلى مسامعه بعد محاورة أو مجالسة
مع بعض الأشخاص . . ويحاول قدر استطاعته ترك بسمة نقية على وجهه حتى لا
تلمح بقية العيون كمية الطعنات التي تلقاها بسبب كرم أخلاقه . . وشر
الآخرين .
القلب المظلوم: عانى من تقاليد المجتمع ونظراته المجحفة . . ما جعله
فأرا يخاف من مواجهة الخيال . . لديه طاقة كبيرة وأحلام كثيرة كانت من
الممكن أن تحدث تغييرا في معالم طريقه . . ولكنها وللأسف ظلت محبوسة بين
مطرقة الخجل وسندان الأهل .
القلب الجائع: يفتقد الحب والحنان . . ويبحث عنه في كل مكان . . سواء
في قصص الحب الغابرة أم في أحاديث هذا الزمان . . ولا يقنع بذرات الحب
القليلة . . فهو متعطش الى حد الارتواء . . ومندفع إلى حافة الإغواء .
القلب المحترق: معذب بسبب البعد عن الوطن والأحباب . . لا يكاد يبني في
نفسه أدوارا جديدة من الحياة حتى تتكسر مجاديفه بفعل قسوة الواقع وتلاطم
الذكريات . . فيبقى في مكانه . . ذو أحلام مستقبلية كثيرة . . ولكن ذو لذة
ماضية وشوق قديم أكثر .
القلب اليائس: انتحرت فيه الأماني . . وضاعت منه كل الأحلام . . لأنه
فقد الدرب الصحيح لشاطئ الأمان . . وابتعد كثيرا بسبب طيشه عن ملامح
العمران . . فخسر نفسه وأهله وجماعته . . ولم يبق هناك مجالا للتسامح معه
أو حتى للغفران.
القلب الأحمق: لا يعي ما يدور حوله . . ولا يعترف بأخطائه . . فكل همه
الاستمتاع بما يدور في محيطه . . وأخذ كل ما يستطيعه حتى ولو كان ذلك
بوسائل غبية تحطم أنقى الأنفس . . تقتل أعظم الأشخاص .
القلب المسافر: لا يقبع في مكان واحد . . وليس له انتماء لأي شيء . .
فكل ما يراه يكون تحصيل حاصل . . ومتعة للعين فقط . . ولا تربطه بالواقع
أية صلة أو روابط . . لذلك يشعر بالغربة كلما حاول الارتماء في حضن
الطبيعة . . أو كلما حاول ذرف الدموع على بعض ما يصيبه . . لأنه ببساطة لا
يملك من يقف إلى جانبه ويواسيه على ما هو فيه .
القلب الجارح: يلقي من الكلمات ما يخدش كل ما هو جميل . . وله من
التصرفات ما يؤلم كل من به محيط . . ولا يشعر باللذة إلا بعد أن يمارس
سلطته العليا . . دون الانتباه إلى أن ما يفعله يجعل أحبابه حطاما لا
يقدرون على التفاعل أو حتى الابتسام .
القلب الميت: لا يشعر بأي شيء . . ولا يكترث لأي أمر . . فكل ما يراه
سواد في سواد . . وكل ما يحلم به أن يأكل وينام . . دون الولوج في بقية
الأحداث اليومية الجميلة التي تشغل بال الناس . . والأنكى من هذا كله انه
يحاول بسط نفوذه على كل الأنام . . ويمشي لتحقيق ذلك بأقدام حديدية على
الورود الحمراء دون إبداء الندم . . أو حتى محاولة الالتفات لتقديم
الاعتذار.
وصلي اللهم وسلم على حبيبي وقرة عيني محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم يا رب تسليماً كثيراً.